كتب – كامل عبد الفتاح
الطريق الي القمة ليس بالضرورة مفروشا بالورود ، وهذا هو حال هنرى فورد أحد أباطرة صناعة السيارات ومؤسس شركة فورد .. هنري الأول – كما يحب المؤرخون نعته – ولد هنري فورد في 30 يوليو عام 1863 في مقاطعةوين بولاية ميتشجان الأمريكية وربما لم يكن يخطر ببال الشاب هنري أو الصانع الكبير هنرى فورد أن يخلد اسمه ليظل بعد 156 عاما من وفاته حاضرا باسمه المقترن بأحد الكيانات الصناعية الكبرى في العالم .. في سن الخامسة عشره من عمره عمل بالزراعة التي تركها بعد وقت ليس طويلا ويقرر بعدها الانتقال الي مدينة ديترويت التي عمل فيها ميكانيكي بورشة صغيرة . ومثل أبطال المسرحيات اليونانية تلعب الأقدار لعبتها مع الشاب الأمريكي الذي ينتمي لأسرة مهاجرة من أيرلندا منذ بدايات تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية ويعود مرة ثانية الي حيث يقيم والده في بلدة صغيرة اسمها كرينفيلد ، وكان الاغراء الكبير لهنري فورد أن منحه والده عشرة فدادين ليزرعها . كانت الزراعة في ذلك الوقت من العقد الثامن للقرن التاسع عشر هي النشاط الأكبر بالولايات المتحدة الأمريكية ، الا أن الشاب المشدود لعالم الميكانيكا والمركبات ترك الزراعة وحقولها وعاد للعمل بشركة أديسون للانارة ، وهي الشركة المنتسبة للعالم الأمريكي العبقري توماس أديسون ( 1847 – 1931 ) مخترع المصباح الكهرائي وآلة التصوير السينمائي وأول من تبني وثبت مفهوم الانتاج الشامل الذي تأثر به هنري فورد بعد سنوات ليكون أول صانع سيارات يعتمد مفهوم التجميع الشامل للسياارت
البداية الحقيقية لاهتمام هنري فورد بمحركات السيارات كانت خلال فترة عمله بشركة أديسون للانارة عندما قرأ مقالة في منشورة للمهندس الألماني نيكلوس أوتو الذي قام ببناء محرك احتراق داخلي وكان محرك الاحتراق ابتكار جديد غير مسبوق في ذلك الوقت ، ولم يأت عام 1893 الا وكان هنرى فورد ابن الثلاثين عاما قد اخترع فعليا أول محرك يعمل بالاحتراق الداخلي لمشتقات النفط ، وبعد ثلاث سنوات وفي عام 1896 صنع هنرى فورد أول سيارة بمحرك ذات اسطوانتين مركب على عجلات دراجة واسماها في ذلك الوقت كوادريسيكل وكانت تتحلاك من خلال نقلتين للأمام ولم يكن هناك أي نقلة للخلف وأيضا لم يكن لهذه العربة ذات الثلاث عجلات أي مكابح . كان هدف الشاب هنري فورد من تصنيع أول سيارة أن يبيعها ليتمكن من الانفاق على حلمة القديم باختراع سيارة بمواصفات أعلى .
بعد ثمان سنوات قضاها الشاب هنري فورد بشركة صديقه العبقري مخترع المصباح الكهربائي توماس أديسون استقل للعمل وحده وأسس شركة فورد عام 1902 ومن الغريب أن الشركة حملت فيما بعد اسم ” شركة كاديلاك موتورز ” ثم عاد اسم شركة فورد بعد عام واحد من جديد بعد فشل هنري فورد في تأسيس كيان صناعي متخصص في انتاج السيارات . ونجحت شركة فورد العائدة في تجميع عدد محدود من السيارات والطريف أن أثنين إلى ثلاث عمال كانوا يقوموا بالعمل في انتاج سيارة واحدة من أجزاء مصنعة بالشركة أو مطلوبة من شركات أخرى.قام ببناء السيارة موديل A عام 1903 وخلال فترة السنوات التالية قام ببناء سيارات سباق التي سجل بها أرقام قياسية وقاد بعضها في سباق السيارات.
ويمكن القول أن تاريخ الميلاد الحقيقي لماركة فورد كان يوم 1 اكتوبر عام 1908 عندما ظهرت للوجود فورد موديل T والتي قدر لها أن تظل الأكثر مبيعا في العالم حتى عام 1972 عندما أزاحتها فولكس فاجن بيتل من فوق القمة التي تربعت عليها طوال أربعة وستين و بحلول عام 1918 أصبح نصف عدد السيارات في أمريكا موديل فورد T . وتميز الموديل تي بأن عجلة القيادة أصبحت على اليمين وهو ما مافعلته وأخذت به باقي شركات صناعة السيارات . أما النقلة الكبرى التي حققها هنرى فورد وقلب بها تاريخ صناعة السيارات فقد تمثلت في تبنيه أسلوب التجميع الصناعي لمواجهة الطلب المتزايد علي السيارات ويتمثل هذا التجميع في أن يقسم المصنع الي مجموعة وحدات صناعية وكل وحدة تقوم بتصنيع جزء محدد من السيارة ويتصل خط الانتاج بين كل الوحدات بحيث تمر السيارة بكل وحدة صناعية لتثبت بها الجزء المسئولة عن تصنيعة ، وقام هنري فورد بتقسيم خط التجميع إلى 84 خطوة منفصلة أو مرحلة ويدرب العمال على القيام بعملية واحدة. وقام بدراسة للزمن والحركة لتقدير الزمن المناسب وعدد العمال المطلوب لإنجاز العمل، وكان استخدام خط التجميع المتحرك بمثابة ثورة هائلة في مجال تصنيع السيارات مما قلل من زمن تجميع السيارة وبالتالي إلى خفض سعرها مما جعلها في متناول الكثير وزادت شعبية السيارة بشكل كبير في ذلك الوقت المبكر .
وقد وردت فكرة خط التجميع لهنري فورد في موقف غريب حين كان في زيارة لأحد الأماكن المخصصة للذبح وتحضير اللحوم في شيكاغوا ، وشاهد الذبائح تعلق في ترولي مرتفع وتتحرك لتقف أمام مجموعة من العاملين حيث تقوم تلك المجموعة بعملية محددة لاستقطاع جزء محدد من الذبيحة ، ثم تدفع الذبيحة للمجموعة التالية التي تقوم باقتطاع جزء أخر محدد ، وهكذا حتى تنتهي رحلة الزبيحة بأن تكون مجرد هيكل عظمي. وتبلورت الفكرة عند هنري فورد بأنه يمكنه تجميع السيارة بالطريقة العكسية. فيبدأ في بداية الخط بالهيكل العظمي للسيارة (الشاسية) ثم تقوم كل مجموعة من العمال بتركيب أجزاء محددة عند توقف السيارة أمامهم بالخط (مجهزين بالقطع المطلوبة ومدربين على تلك العملية المحددة) ، وحتى ينتهي المطاف بسيارة مجمعة في نهاية الخط بطريقة أسرع وأدق .
وقد فوجئت الأسواق الأمريكية في ذلك الوقت وبعد تبني فورد لأسلوب التجميع السريع أن السيارة فورد T انخفض سعرها من 950 دولار الي 280 دولار ، وخلال 19 عاماً تم بيع 15 مليون سيارة من موديل تي في أمريكا بالإضافة إلى مليون بكندا وربع مليون بإنجلترا
بكل المعايير كان هنري فورد أسطورة حقيقية والمفجر الأكبر لثورة صناعة السيارات التي جعلها فورد عصب المجتمعات في العالم الحديث في مطلع القرن العشرين ، وفي سنة 1914 أصبح أول سير متحرك ذاتياً يمكنه أخراج سيارة كل 93 دقيقة بدلاً من 728 دقيقة بالطريقة المعتادة ، وفي نفس السنة أذهل فورد العاملين في مجال السيارات بإعطاء أجر للعامل عنده مقداره 5 دولارات كأجر ليوم العمل الكامل ، حيث كان الأجر للعمال في مجال السيارات 2.34 دولار في يوم العمل المقدر بتسع ساعات ، ولم يقم فورد بمضاعفة الأجر ولكنه أنقص ساعة من وقت العمل ليصبح وقت العمل اليومي ثماني ساعات فقط ، وبذلك جعل اليوم ثلاثة نوبات عمل بدل من اثنين.
في ذلك الوقت المبكر كانت عقلية فورد تتفتح على عالم جديد وأدرك هذا الصانع الكبير أنه بحاجه أن تتجاوز أحلامه الحدود الأمريكية ولتصنيع أجزاء السيارة انطلق فورد باتجاه أمريكا اللاتينية وتحديدا البرازيل لامتلاك مناجم للحديد ووسائل نقل كالسفن والسكك الحديدية ومصانع تصنيع الأجزاء للمحرك والشاسية والأجزاء الداخلية بالسيارة وإطارات السيارات ، وماكان عام 1920 حتى أصبحت شركة فورد تملك مزارع مطاط في البرازيل وأساطيل سفن وسكك حديد ومناجم فحم وألاف الأفدنة من غابات الأشجار ومناجم خام الحديد. ومن المهم لانتباه الي أن تأثير التوسع في صناعة السيارات على يد هنري فورد لم يكن فقط في كون الناس قد امتلكوا وسيلة نقل حديثة ولكن الأهم أن السيارة ربط أجزاء أمريكا الممتده للآلاف الكيلومترات من المحيط الأطلنطي غربا حتى المحيط الهادي شرقا ، واختفي الحصان كوسيلة نقل وحرب وتم الاستغناء عن زراعة المواد المغذية للحصان (القش) وزرع بدلاً منه زراعات أخرى مما أدى إلى ثورة في مجال الزراعة ، وبدأ انتشار المدن بالمناطق البعيدة مما أدى إلى ثورة في مجال البناء والأعمار، وشيدت الطرق والكباري لربط البلاد ببعضها مما أدى إلى ثورة في مجال الاتصالات.
وما أن حل عام 1925 الا وكان هنري فورد ينتج 10000 سيارة كل 24 ساعة ثم بدأت بوادر المنافسة عندما لم يطور هنري فورد سيارته الشعبية فورد T وفي ذلك وأمام اصرار هنرى فورد على انتاج سيارة بلون أسود لم يتغير ظهر تجمع جديد لشركات السيارات تحت اسم شركة جنرال موتورز والتي قامت بإنتاج العديد من الموديلات بألوان مختلفة تناسب تنوع الأذواق ، وهنا بدأ تاريخ صناعة السيارات في أمريكا يأخذ منحى جديد وتتسع موجاته نحو العالمية ، ورغم اضطرار هنري فورد الي منافسة جنرال موتورز الجديدة بانتاج سيارات بمحركات V6 و V8 عام 1932 الا أن المنقذ الحقيقي لهنري فورد كان اشتعال الحرب العالمية الثانية عام 1939 وهنا تحولت مصانع شركة فورد لإنتاج الطائرة بي- 24 والسيارة الجيب ولولا هذا لكان محرك في 8 أسطوانات (v-8 Engine) المصنع في سنة 1932 هو أخر اختراعات هذا الرجل العظيم.