لم تعد صناعة السيارات مجرد قطاع عادي في صلب اقتصاديات الدول التي قطعت شوطا كبيرا في هذه الصناعة ، وإنما أصبحت سمة من سمات القوة الاقتصادية ، وملمح من ملامح التطور الذي يجذب اليه قطاعات اقتصادية أخرى كثيره .. الأمر الثاني المتعلق بصناعة السيارات أنها أصبحت أحد السمات الثقافية للمجتمعات ، بما يعني أن هناك وجه آخر لهذه الصناعة ذات أبعاد ثقافية واجتماعية تتعلق بذوق المجتمع ورقيه وفنونه ، وكأن السيارة الحديثه تنافس في نجوميتها فناني السينما ولاعبي كرة القدم والأدباء في التعبير عن شخصية الدولة ..
السعودية أكبر سوق عربي للسيارات
المملكة العربية السعودية هي أكبر سوق عربية للسيارات ، ويقترب حجم هذا السوق من 30 مليار دولا ر – وفق مؤسسة ريبورت باير العالمية – وهناك عوامل هيكلية مختلفة تشجع على حتمية الدخول القوى الى عالم صناعة السيارات ، من أهمها النمو المتسارع للاقتصاد السعودي ، وتطور البنية التحتية بالمملكة ونمو متوسط الدخول .
التجربة المغربية لصناعة السيارات
عربيا ، وفيما يتعلق بتوطين صناعة السيارات ، استطاعت المملكة المغربية أن تحقق نقلة نوعية في هذا المجال وتصبح مركزا مؤثرا لصناعة السيارات ، خاصة مع تزايد المكون المحلي لهذه الصناعة بالمغرب . البداية ارتبطت في المغرب بتشجيع الحكومة المغربية للاستثمار في قطاع صناعة السيارات ورفع حد الاعفاءات الضريبة للشركات في أول خمس سنوات . الاستثمار الأجنبي يمثل الجانب الأعظم والأكبر في صناعة السيارات بالمغرب ، خاصة من قبل الشركات الفرنسية رينو وبيجو وسيتروين ، وصينيا شركة بي واي دي ، بالإضافة إلى شركات صناعية محلية صغيرة . تجربة صناعة السيارات في المغرب يمكن أن تكون ملهمه لدول أخرى في مقدمتها المملكة العربية السعودية ، وايضا مصر التي بدأت مبكرا ثم تراجعت .. في عام 2012، اتجهت شركة رينو للمغرب وافتتحت أكبر مصنع لها هناك بقدرة انتاجية 1800 سيارة يوميًا، واليوم يصل انتاج هذا المصنع الى 74 دولة حول العالم، ويمثل مصنع رينو بالمغرب اليوم 10% من حجم مبيعات رينو عالميًا. المستهدف حاليا الوصول بالانتاج الى مليون سيارة سنويا ، والوصول بالمكون المحلي لنسبة 80% ( ألآن 65% ) والاتجاه بقوة لتصنيع السيارات الكهربائية .
استلهام التجربة المغربية سعوديا يعني أن توطين صناعة السيارات بالمملكة العربية السعودية يجب أن يعتمد على نظرة مستقبلية تستفيد من الواقع الحالي المحلي والعالمي .. محليا ، السعودية أكبر سوق عربي للسيارات ، وعدد السكان يقترب من 36 مليون نسمه ، ونسبة الشباب تزيد عن نصف عدد السكان ، والحراك الاجتماعي بالبلاد كبير وقوى بفضل تبني الدولة رؤى جديده شجعت على فتح ابواب كثيره للعمل والتعليم والمشاركة الفعالة في الحياه خاصة مايتعلق بالأوضاع الجديده للمرأة السعودية ..
عصر التنقل الجديد
عالميا ، تشهد الصناعة تحولات مفصلية متمثلة في الاتجاه القوى نحو تصنيع السيارات الكهربائية تحت وطأة مشكلات المناخ وأسعار الطاقة والتلوث . كل ماسبق يعني أننا أمام عصر جديد للتنقل ، وأن هناك توازي بين ارتقاء الدولة بوسائل النقل ، وتطلع أفراد المجتمع لوسائل نقل جديده مناسبة لزمانهم . هناك رؤية بالمملكة العربية السعودية – رؤية 2030 – وضمن ماشملته صناعة السيارات والوصول بداية بنسبة انتاج تصل الي 300 ألف سيارة سنويا ، وقد تم بالفعل وضع الحجر الأساس لمصنع لوسيد، بقدرة انتاجية مستهدفة تصل إلى 100 ألف سيارة، كما تم إطلاق علامة CEER التابعة لصندوق الاستثمارات العامة.
صناعة السيارات في رؤية 2030 السعودية
من ايجابيات رؤية المملكة 2030 فيما يتعلق بصناعة السيارات أن هناك إدراك مهم أن لاتقتصر قواعد هذه الصناعة على عمليات التجميع ، ولكن الأهمة من ذلك أن تكون هناك مجموعة من الصناعات المساعده والأساسية التي تقوم عليها في الأساس صناعة السيارات ومن هذه المجالات التي شملتها رؤية 2030 13 مكوناً تدخل في مختلف مستويات سلسلة الإمداد، بدءاً بالمقاعد والإطارات وأنظمة التكييف والتدفئة، وصولاً إلى الزجاج وبطاريات الليثيوم والمحركات . التفكير والتخطيط بهذا الشكل يعد المملكة ليس فقط لتكون دولة مصنعه للسيارات ولك أن تصبح مركزا اقليميا لتصنيع السيارات ومكوناتها .
في سنوات الجائحة من نهاية عام 2019 وحتى بدايات 2022 كشفت الأزمة العالمية المتمثلة في شح امدادات الرقائق الاليكترونية المعروفة بأشباه الموصلات عن عجز أكبر العلامات التجارية للسيارات في العالم عن الوفاء باحتياجات الأسواق من السيارات بسبب نقص الرقائق الاليكترونية .. هذه الأزمة دفعت الحكومات في أكبر الدول الصناعية وعلى رأسها الولايات المتحده للتدخل والعمل مع شركات السيارات لتوطين – ليس فقط صناعة أشباه الموصلات – ولكن أيضا صناعة البطاريات التي هي عصب الانتقال نحو عصر االسيارات الكهربائية الجديد ..وأمام هذه الحقائق فإن الاتجاه نحو توطين صناعة بطاريات السيارات الكهربائية ، وصناعة أشباه الموصلات يعتبر اليوم ركيزة أساسية لاستكمال منظومة صناعة السيارات .
الخارطة السكانية للسعودية
وفق معدلات الزيادة السكانية في السعودية فإن عدد سكان المملكة في 2050 سيقترب من 45 مليون نسمه ، وعدد سكان العالم العربي سيزداد ليصل – وفق تقارير البنك الدولي للسكان – ليصل الى 670 مليون نسمه .. هذه المعدلات السكانية المضطرده في العالم العربي تزيد من فرص السعودية لتكون مركزا اقليميا لصناعة السيارات وسط محيط عربي يمثل سوقا ضخمة لهذه الصناعة خلال عقدين من الزمن على أكثر تقدير .
